كيفية النقد
نفتح صفحة الكاتب في قراءة متأنية متمعنة، علنا ننفض العبارات مما تختزنه من معلومات، وما تحتويه من مضامين لنستشف ما ينير سبيلنا لاستكناه أسرار لوحته وما نفث فيها من سحر بيانه، وما شحنها به من رسائل لا تقرأ إلا خلف السطور.
فإن انفتحت مغاليقه لنا لمسنا جوهر كنهه وتذوقنا لب فنه، ومارسنا فيه الفن أخذا وعطاء ؛ لنرشف من كل حوض رحيقه العالي، ونلمس كنزه الغالي. وما زيارة الرياض إلا لتنسم عبقها والتنزه بين حدائقها في سكون وطمأنينة بعيدا عن ضوضاء المدينة، وإلا لما ارتاحت الخيل إلا لمرابطها.
وإن انغلقت علينا بحبوحة سره، وطوت طيها، ولفت لفها، واستدارت بجنبها، فليس العيب عيبها، إنما العيب عيب الناظر إليها لما لم يستطع النفاذ لمداخلها، والصبر معها بإرجاع النظر مرة ثم كرة لاستنطاق مخبوئها ونبش الدفين بها عله يفشي سرها ويمدنا بمفتاح لغزها.وما عيب الإذاعة إن كان المذياع لا يلتقط الإرسال ؟
محاذير النقد
نأخذ الأساليب التحليلية، ونرفض التقليد الحرفي، فإننا أمة الأخلاق العالية، الملمة بسنن ربها في هذا الوجود ؛ إذ ليس النقد تتبع عورات المسلمين، والتنكيت على كل سقط، فمن جرى جري هذا الدرب افتضح في قعر بيته كائنا من كان.
وقد تنكشف لك عورات الكاتب، وطبعا واجب سترها، فلا نسعى لاستكناه أجناسها أو رفع الستر عن أمثالها،إلا إن اقتضته ضرورة شرعية - كيلا نكون ممن تتبع عورات المسلمين-.
والتقعر في الجرح مذموم، وكل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده. وكل نقد لغير ضرورة نبش لقبور أنسيت، وأكل لحوم الموتى تنزهنا عنها زعامة الرسول صلى الله عليه وسلم [ببيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال مراء ولو كان محق]ا
.2فما النقد ونقد النقد إلا جري على درب الافتضاح؛ لكون النقد بالمعنى المتواتر في وسطنا وهو إظهار المساوئ، أو ربما التحامل الغير المناسب؛ إنما النقد كما تناوله سعيد حجي : "إن كلمة النقد في معنى البحث الحديث والمدرسة الجديدة والأصل اللغوي ترمي إلى معنى خاص عن المعنى المتواتر في وسطنا وهو إظهار المساوئ، أو ربما التحامل الغير المناسب؛ بل معناه الأصلي والمعنى الذي يسود اليوم مدرسة النقاد الحديثين هو تلك المعاني التي تنزع بك أن تحلل الشاعر وتدرس آثاره وما يحوي من مزايا وابتذال، وتعلل ذلك تعليلا يتصور منه المؤثرات التي ساعدت المنتج النابغة أو الغير النابغة، على أن يقدم لنا إنتاجه فنتفهم هذه الروح التي سادت عصره وتمخضت عنه حوادث زمانه وانقلاباته .
"3وإذا فارقنا موطن عزنا ونبل شرفنا، وسواء أكنا قردة نمثل الأدوار؟ أم غربانا نقلد كل ناعق؟ أو أضُبَ تدخل كل جحر؟ فما ترك لنا الغرب إلا الصف الخلفي نصلي فيه، وشر صفوف الرجال آخرها، وبالعالم الثالث دفنونا ونحن نتزلف لديهم المناصب ونتخذ القربان، ونسعى سعينا الحثيث لاستجلاب رضاهم ولو بسخط ديننا ودنيانا!!!
بينما رضا الخلق غاية لا تدرك!!!
جهود ذهبت أدراج الرياح، فلا رضا الخلق حصّلنا، ولا إلى مكانة وصلنا. ومتى عسانا أن تستفيق من خمر التبعية التي رشفنا منها كؤوسا تلو كؤوس ؟
ليس العيب في استجلاب الحكمة أنى وجدت، إنما العيب تقمص مهام المستعمر والإخلاص لها والذود عنها. فما نقل الضوابط بعد تمحيصها كما فعل سامي سويدان مع أدهم بالمتكافئ مع صنيع محمد ولد بو عليبة في نقده المقارن بين النقد العربي والنقد الغربي .
فهل نسلس الانقياد لثقافتنا أم ندوسها دوس المستعمر على أشلاء موتانا ؟